من يومين ظهرت صفحة على السوشيال ميديا بتتكلم كأنها بتمتلك مفاتيح الوطنية، وبتوزع شهادات الغفران والانتماء، وبتتهم كل مصري بيقول “مصر أولاً”، أو كل واحد متمسك بوطنه وهويته ومصلحته الوطنية، إنه تابع لمشروع صهيوني هدفه تحييد مصر عن محيطها، وخدمة “إسرائيل الكبرى”، اللي دايمًا شايفة مصر الجائزة الكبرى.
الصفحة استخدمت مغالطة “رجل القش”، وقررت إن اللي بيقول مصر أولاً هو عدو العروبة وخاين، وبيتسبدل الانتماء للشعارات العروبية العاطفية الجوفاء اللي محلتش أزمة واحدة من 100 سنة، بشعارات وطنية مصرية والعياذ بالله يعني.
قالت الصفحة نصاً:
“في وثائق مشروع ثيودور الاستراتيجي، اتقال إن حلم إسرائيل الكبرى من النيل للفرات مش هيتم إلا بتحييد مصر، والتحييد ده بيبدأ بعزلها عن عمقها العربي، واستبدال الانتماء القومي العربي بشعار مصر أولاً، اللي بيتقال دلوقتي بصوت ناعم وبريق فرعوني.”
ورغم عدم اختلاف اي مواطن مصري علي نوايا الصهاينة ورغبتهم في التوسع ولكن الكلام ده بيفتح تساؤلات كتير:
الحقيقة، مفيش حاجة اسمها “وثائق ثيودور الاستراتيجية” بالمسمى ده، ولا في أي دليل على وجود خطة صهيونية لتحويل المصريين لشعب بيضع مصلحة بلده أولاً، وبيحب وطنه، وإن ده هيؤدي لعزلة مصر عن محيطها العربي، ويبقى تمهيد لتحييدها سياسياً… بلا بلا من الكلام اللي بيتكرر كل شوية بدون أي سند حقيقي.
المقصود بـ “ثيودور” هنا هو تيودور هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية، واللي بدأ من سنة 1896 يسعى لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين والموضوع بدا علي 3 مراحل اولا بكتاب دولة اليهود اللي اعلن فيه عن فكرته لانشاء وطن ليهم ثانيا بمؤتمر سويسرا ثالثا بإستمالة بريطانيا العظمي، ومات سنة 1904 قبل انشاءه.
مصر كانت لسه تحت الاستعمار البريطاني واهلها بيناضلو للاستقلال، ومنظمة الصهونية العالمية سعت لتنفيذ حلم هرتزل من سنة 1904 وحتي اعلان قيام الكيان الصهيوني سنة 1948 وبعدها اتجهت لخطط التوسع وتدمير الاوطان الوطنية في المنطقة يعني الكلام عن تحييد مصر أو تشجيع شعار مصر اولاً في الفترة مابين 1896 حتي 1904 (فترة حياة هرتزل) ماكانش وارد أصلاً لإن اصلا مكنش تم انشاء الكيان اللي هيتوسع ومفيش اي وثائق في الموضوع ده، واي شعار وطني مصر في الوقت ده كان صادر من الحركة الوطنية المصرية للمطالبه بالاستقلال التام وفي الوقت ده بريطانيا داعمة الصهيونية استعملت القوه ضد اي شخصية وطنية مصرية.
كانوا بيكافحوا للاستقلال، وشعاراتهم كانت: “مصر للمصريين”، “الاستقلال التام أو الموت الزؤام”، و”يحيا الهلال مع الصليب” ورفض تام لأي تبعيه سواء انجليزية او تركيه او حتي عربيه. و ده كان في مواجهة الإنجليز اللي دعموا قيام دولة إسرائيل ودعمو شعارات العروبه ضد الدولة العثمانيه في شبه الجزيرة، وفي نفس الوقت سحقوا أي صوت وطني في مصر، بداية من دنشواي لحد ثورة 1919 وصولا الي 1952.
كانوا بيخوضوا “الثورة العربية الكبرى” سنة 1916 ضد العثمانيين بدعم من الإنجليز نفسهم اللي كانو بيدعمو شعارات العروبة ووحدة العرب واستقلالهم عن الدولة العثمانية، على وعد بإقامة دولة عربية موحدة. وبعد الثورة، اتضح إنها خديعة، وتم تقسيم الأرض بين بريطانيا وفرنسا في “اتفاقية سايكس بيكو”، وبعدها بسنة بريطانيا وعدت اليهود بفلسطين في “وعد بلفور” 1917.
من سنة 1916 لما بريطانيا دعمت “الثورة العربية الكبرى”، وبعدها في التلاتينات بدأت تروّج لفكرة العروبة بشكل مباشر لمحاولة استمالة المنطقة بعد خديعة سايكس بيكو، وخوفاً من المد الشيوعي والنفوذ الألماني، وسوّقت لفكرة “تحالف ناطقي العربية” تحت إشرافها.
وفي الأربعينات، أنطوني إيدن، وزير خارجيتهم، قال نصاً إن بريطانيا “بتتمنى وحدة العرب”. الهدف كان تحجيم العرب وتنظيمهم شكلياً في كيان جديد اتسمّى “الجامعة العربية”، من غير ما يبقى فيه قوة حقيقية أو استقلال فعلي.
يعني بريطانيا استغلت شعارات العروبة مرتين والمرتين كانو في نفس وقت انشاء اسرا-ئيل والوحدة الوهمية اللي دعمتها بريطانيا واللي بيتم المطالبه بتكرار شعاراتها مأثرتش علي الصهيونية ولا الصهيونية وقتها عارضتها.
بريطانيا كانت ماسكة الانتداب على فلسطين، وكانت بتسهّل لليهود كل حاجة، وفي نفس الوقت بتقول للعرب “اتّحدوا في جامعة الدول العربية”، وسابتهم يتلهوا في “تنظيم رسمي”، وهم بيبنوا على الأرض كيان قوي معادي للجميع.
آه، مره واحدة لما عبد الناصر تبنّاها فعلاً، ورفع شعار “وحدة العرب”، واتحالف مع المعسكر الشرقي ودخل في مواجهات مباشرة ضد الاستعمار والصهيونية.
في الوقت ده، مشروع العروبة لأول مرة بقى بيهدد مصالح الغرب والكيان الصهيوني، لكن للأسف، عبد الناصر اتعرض لحصار واستنزاف على كذا جبهة:
وفي الآخر، تم استدراجه لفخ محكم في حرب 67، اللي خسرنا فيها سيناء، وجزء كبير من الجيش، ووقع معاه حلم الوحدة والمشروع الناصري كله.
بدأ الكيان الصهيوني وحلفاؤه يشتغلوا على خطط تفكيك الدول الوطنية الكبيرة، بدل ما يواجهوها بشكل مباشر.
المرحلة الأولى كانت من خلال حلفاء الكيان الصهيوني واستغلال الشعارات الاممية المنتشرة بسحب جيوش قوية في المنطقة لحروب استنزاف عبثية تضعف قدراتها، زي:
وظهر لاحقاً وثائق بتكشف ده فعلا زي:
الخطط دي اتنفذت فعلاً في العراق وسوريا، واتحولت بلاد كاملة لساحة صراعات أهلية وطائفية، وكانت فيه محاولة فاشلة لتطبيقها على مصر بعد 2011، باستخدام جماعات متطرفة حاولت تهاجمم مؤسسات الدولة الوطنية، وتهاجم الهوية المصرية، لكن مصر فضلت صامدة، وقدرت تقفل الباب في وش المخطط ده.
بالعكس، ده شعار الدولة الوطنية المصرية. والرئيس الشهيد السادات أول رئيس رفعه بشكل واضح، وهو اللي قدر يسترجع الأرض ويكسر غطرسة الكيان، ويفرض إرادة مصر.
ليه؟ لأنه عاصر بنفسه معاداة بعض الدول العربية لطموح ناصر ده غير الخذلان اللي حصل للسادات نفسه في حرب أكتوبر، وشاف بعينه الدول العربية وهي بتمنع عنه البترول، بينما شاه إيران بيبعتهوله، وبعض العرب بيدّوا بيانات دعم، لكن بلا مشاركه في الحرب (عدا سربين هوكر هانتر من العراق حسب تصريحات سعد الدين الشاذلي)!
فقرر إنه يسعي لتحقيق مصلحة مصر اولاً ، واصبح الموقف الصريح: مصر أولاً وقبل اي شيئ. ومن وقتها ده بقى نهج الدولة لحد النهاردة.
لا إطلاقاً، معناه إن مصر لما تتحرك إقليمياً، تتحرك من منطلق مصلحتها، مش لخدمة شعارات اممية جوفاء لا تهتم بمصالح الدولة الوطنية المصرية. وده مش عيب، لأن أمريكا بتقول “أمريكا أولاً”، والصين بتقول “الصين أولاً”، وكذا دولة عربية بتتصرف بمبدأ “مصلحتي أولاً”.
الحقيقة إن مصر لحد النهاردة بتحاول تجمع الصف العربي. في 2015 دعت لتشكيل قوات عربية مشتركة، واتقابلت بالرفض. المشكلة مش في مصر، المشكلة في إخواتك اللي أراضيهم فيها قواعد لأعداء العرب، واللي جزء كبير منهم بيدعم مشاريع معادية للوحدة العربية فعلاً.
وفي الختام نحب نقول زي ما قال الرئيس عبد الفتاح السيسي:
“شعب مصر العظيم، إن رسالة السادات لكم كانت واضحة.. كتبها بدماءه التي روت تراب مصر المقدس، وجوهرها إن مصر تعلو ولا يُعلى عليها.”