في 22 فبراير 1958، أعلن جمال عبد الناصر عن الوحدة بين مصر وسوريا، وكان شايفها خطوة لتحقيق الحلم العربي وإنهاء التفرقة بين الدول. وقتها، الشعارات القومية العربية كانت في عزها، والملايين هللت للمشروع ده. لكن بعد 3 سنين بس، الوحدة انهارت، وعبد الناصر أدرك إنه استعجل في القرار، وإن الواقع كان أعقد بكتير من الحماس القومي العربي اللي دفعه ليها.
عبد الناصر كان شايف إن مصر وسوريا دولتين عربيتين، فطبيعي يتحدوا تحت راية واحدة. لكنه ماخدش باله من الاختلافات العميقة بينهم. مصر بلد زراعي مستقر بحكم مركزي قوي، بينما سوريا مجتمع مختلف فيه تيارات سياسية كتير واقتصاد قائم على التجارة. السوريين شافوا إن المصريين بيسيطروا على البلد، وبدأت أصوات تعترض على "تمصير سوريا"، وده خلق فجوة كبيرة بين الشعبين.
بعد الانفصال، عبد الناصر اعترف ضمنيًا إنه استعجل في قرار الوحدة. قال في تصريح ليه:
"أنا كنت عارف من أول يوم إنهم هيقولوا استعمار مصري وتمصير سوريا، لكن كنت فاكر إن السوريين هيستوعبوا الوحدة. سوريا وضعها مختلف عن مصر، فيها أنانية سياسية ومعارضة داخلية وخارجية، والفلاح هناك أضعف شيء."
وكان الرئيس عبد الناصر قد تنبأ أن الوِحدة لن تكتمل. وأنها كانت خطأ كبير من البداية لأن تكوين مصر وسوريا مُختلفين تماماً، فمصر فيها تجانس إثني وشعبها مستقر وحضارتها عمرها 5,000 عام. أما في سوريا فكل الإثنيات والمجتمعات الدينية بينها عداوة، وكل مجموعة تريد السيطرة على الدولة وحدها مثلما سيطرت الطائفة العلوية على الدولة بعد وصول آل الأسد للحُكم.
الكلام ده بيبين إنه أدرك متأخر إن الحماس القومي مش كفاية، وإن الوحدة محتاجة ظروف مناسبة مش بس شعارات.
في 28 سبتمبر 1961، قامت حركة انقلابية في سوريا، وأعلنت الانفصال. عبد الناصر حاول يقاوم لكنه استسلم في الآخر للحقيقة: الوحدة فشلت بسبب التسرع وعدم فهم طبيعة المجتمعات. ورغم كده، ما فقدش إيمانه بالقومية العربية، لكنه بقي أكثر حذرًا في مشاريعه المستقبلية.
وحدة مصر وسوريا كانت أكبر تجربة وحدوية في العصر الحديث، لكنها فشلت لأنها اتبنت على المشاعر أكتر من الواقع والمصالح المشتركة وتجاهلت تماما الفروقات في الهويات الخاصة بالبلدين، عبد الناصر كان عنده نية صادقة، لكن النوايا لوحدها ما بتكفيش لصناعة نجاح سياسي. ولو كان فكر بهدوء وخد الأمور بالتدريج، كان ممكن يكون مصير الوحدة مختلف تمامًا.