بعد إطلاق الإعلان التشويقي للفيلم الهوليوودي "نابليون" من بطولة خواكين فينيكس وإخراج ريدلي سكوت عن سيرة حياة الإمبراطور الفرنسي والقائد العسكري نابليون بونابرت واللي بيروي في جزء منه قصة حملته الفرنسية على مصر ومعاركه فيها ضد المماليك والمصريين.
بالكلمات دي اختار نابليون بونابرت إنه يوصف الفترة اللي عاشها أثناء حملته وقال لجنوده فور وصولهم لمصر والقاهرة "إن العلوم والصنائع والقراءة والكتابة والتي يعرفها الناس قد أخذت عن أجداد أهل مصر الأولين، فمن أعالى الأهرامات أربعون قرنًا من الزمان تطل علينا".
في البوست ده خلونا سوا نتكلم أكتر عن الحملة الفرنسية وازاي أثرت على مجريات الأحداث مش بس في مصر، لا في فرنسا كمان. ففرنسا ما تزال بتحتفل بيها كجزء من تاريخها القومي حتى اللحظة.
اللي قارئ للتاريخ عارف كويس جدًا حجم الفشل الذريع اللي أصابت الحملة الفرنسية ضد مصر ورغم الهزيمة العسكرية البائسة للمماليك بسبب فارق الفجوة التكنولوجية اللي مصر كانت فيها كسبب مباشر للاحتلال والحكم العثماني لمصر.
فمن حوالي ٥٥ الف جندي فرنسي رجع لفرنسا حوالي تلت العدد ده بس في كارثة مدوية للجيش الفرنسي ناهيك عن إغراق الأسطول الفرنسي في المتوسط من قبل الإنجليز في المعركة الخالدة باسم معركة ابو قير.
ده غير إن اللي رجعوا لفرنسا من اللي اتبقى منهم اما كان مريض او بيعاني من صدمة نتاح اللي مروا بيه في مصر ده غير حرفيًا هروب نابليون من مصر تمامّا بعد ادراكه لحجم الكارثة اللي حلت علي قواته وتسليمه القيادة للجنرال كليبر واللي تم اغتياله في وقت لاحق.
بعد وصول نابليون لبلده الأم قدر يقلب الكارثة اللي اصابت فرنسا في مصر لحملة دعائية كانت سبب مباشر إنه يبقى امبراطور فرنسا فقدر يخفي حجم الكارثة اللي حصلتله ويصدر للفرنسيين مدى مجاح حملته "الثقافية" و"العلمية" على مصر وازاي قدر بفضل العلماء الفرنسيين يكتشفوا جزء من أسرار الدولة ذات الحضارة العريقة دي..بعد ما كان المصريين غايبين ومنفصلين تمامًا عن ماضيهم وحضارتهم وبيعتبروها حضارة وثنية كافرة.
نابليون حط جهد جبار عشان يخرس كل جنرالاته وقادته العسكريين عن طريق تهديدهم بالقبض عليهم، لمنع نشر مذكراتهم عن الفشل العسكري اللي حصل في مصر، واللي لسه بينشره الفرنسيين عن نابليون، رغم الاعتراف بالفشل العسكري التام وفشل كل أهداف الحملة الفرنسية.
من ضمن المواقف اللي اتخذت ضد القادة الفرنسيين كانت في مذكرات الجنزال "رينيه" المنشورة في باريس سنة 1802 تحت عنوان "مصر بعد معركة هيليوبولس".
واللي كشف فيها عن تخبط الجيش الفرنسي واضطرابه وتكبده خسائر بشرية ومادية فادحة، وده دفع نابليون لحظر المذكرات ومصادرتها تماما.
قصاد ده كله قام رجالة نابليون بكتابة مذكرات بتدين المصريين وتعظم الحملة الفرنسية، زي الظابط "هوويه" اللي كتب مذكراته بعنوان "حملة مصر: مذكرات ضابط في الجيش الفرنسي"، واللي بتعتبر جزء من التاريخ القومي لفرنسا.
قام "هوويه" بتهميش صورة المقاومة المصرية للفرنسيين، ووصفنا بإننا مجتمع "مستسلم بلا إرادة"، ومذكرش فيها ثورة القاهرة الأولى ضد نابليون إلا في صفحة واحدة بس.
ووصفها فيها بأنها "تمرد عام وانتفاضة شعبية"، رغم العنوان الفرعي: "ثورة القاهرة والأقاليم"، وشاف إن المماليك كانوا هما المحرك الرئيسي لثورة المصريين للدفاع عن مصالحهم الشخصية مش هدف قومي مصري للاستقلال الحقيقي.
رغم إن الاحتلال الفرنسي واجه مقاومة مصرية خالصة شرسة بعيدًا عن المماليك امتدت من الإسكندرية لصعيد مصر، خاض فيها المصريين معارك ضد الفرنسيين في ال٣ سنين، وثاروا ضد الفرنسيين مرتين في ثورة القاهرة الأولى والثانية.
لكن كعادت أي احتلال غاشم مر علي مصر وشعبها الثورة بالحديد والنار وضربوا القاهرة بالمدافع ودنّسوا الأزهر وطاردوا الثوار وقادتهم وأعدموا جزء منهم مثل محمد كريم حاكم الإسكندرية..ده غير المصريين الأبطال اللي استشهدوا أثناء الأحداث دي.
روبير سوليه الكاتب والصحفي الفرنسي شايف إن المصريين فضلوا زمن كبير قابلين فكرة إن نابليون جاب الحداثة لمصر، أكتر من كونها حملة عسكرية تسببت في مقت.ل مصريين كنتاج مباشر ليها بالآلاف.
وبيقول إن لما قامت ثورة يوليو وتم إعلان الجمهورية المصرية تم اعتبار الحملة الفرنسية "احتلال أجنبي" كإعادة كتابة للتاريخ المصري واعتبار إن مصر فضلت تحت احتلالات من عهد الفرس للإنجليز.
وده حسب روبير كان له دور في بروز القومية المصرية، على حد تعبيره.
مما لا شك فيه إن الحملة الفرنسية كان ليها أثر كبير جدًا على مصر والمصريين وكانت بمثابة صدمة حضارية وثقافية أدت فيما بعد لتشكيل وعي جمعي بضرورة استعادة روح الأمة المصرية ممثلة في هويتنا كمصريين كأصحاب أقدم دولة مركزية وأحد أعظم الحضارات البشرية.
واللي تباعًا أدى لاستقلال مصر التام..لكن مينفعش نغفل أبدّا دور المقاومة المصرية ضد الفرنسيين أيّا كانت الدوافع ولا ينفع نتجاهل دور المصريين في مساعدة العلماء الفرنسيين في ازاحة الغبار عن تاريخنا وحضارتنا واللي بيتم تجاهله عن عمد من قبل المستعمر الفرنسي.
فمش كتير منكم هيعرف المصري يوحنا الشفتشي وازاي علم شامبليون اللغة المصرية بالخط القبطي اللي أسهم في فك الخط الهيروغليفي في حجر رشيد..ولا تاريخ أبطال المقاوميين في مصر من شمالها لجنوبها في مقاومة الفرنسيين والحاق اضرار فادحة بيهم رغم فارق الامكانيات.
في الأخير..متنساش وانت بتتفرج على الفيلم ومبسوط بيه اعرف إن التاريخ بيتكتب من كذا طرف ولو انت مكتبتش تاريخك وفهمته هتتمسح باستيكه بسهولة..وده اللي مصر كانت ولا تزالت بتواجهه لحد اللحظة.
القومية المصرية مش مجرد شعارات بتنادي بالحفاظ على الوعي والهوية واللغة والتراث القومية فكر بيحمي تاريخ أمة من المسح وبيحمي المصريين من إنهم ينفصلوا مرة تانية عن تاريخهم المجيد، وبيسعى لتكراره من جديد.