في السنين الأخيرة شفنا ولأول مرة من عشرينات القرن الماضي حراك من قبل الدولة المصرية لمحاولة إعادة نشر وتعليم اللغة المصرية للمصريين، والخطوات دي مكنتش بس خطوات رسمية من الدولة، لكن كمان من شباب ومؤثرين وفنانين.
وزارة التربية والتعليم استجابت بعد نداءات من سنين لترسيخ مبادئ اللغة المصرية بالخط الهيروغليفي في مناهج ابتدائي للأطفال عشان يتعلموا أساسيات لغتهم الأصلية.
ولأول مرة بتحصل نشوف برنامج كامل مخصص للغة المصرية زي برنامج "لغتنا القديمة" واللي اتقدم من دكتورة هدى عبدالعزيز ودكتور عمر المعنز بالله بمواسمه المختلفة عشان يبقى خطوة تجاه نشر اللغة المصرية وتعليمها.
كل ده غير المبادرة الاستثنائية اللي بتقدمها مكتبة الإسكندرية باعتبارها أحد أهم المكتبات وأعرقها في العالم بتدريس اللغة المصرية بقواعدها بشكل مجاني تمامًا للأجانب والمصريين والعرب على حد سواء، دي مبادرة دكتور زاهي حواس اللي شغالة على نشر اللغة من خلال مؤسسة دكتور زاهي للتراث واللي بيتقدملها آلاف بشكل دوري في كل دفعة!
الفنانين المصريين كمان ليهم دور مهم جدًا. أميرة سليم بصوتها العبقري قدمت أنشودة إيزيس في حفل موكب المومياوات، واللي مفيش مصري ما حفظهاش وغناها، والفنان المصري الأصيل عز الأسطول غنى أنشودة آمون رع في افتتاح طريق الكباش، والاتنين شغالين على ألبومات كاملة باللغة المصرية!
هما قدروا يوصلوا جمال اللغة دي للمصريين من غير ما تفقد هيبتها. ده بقى غير المبادرات الشبابية اللي شغالة على إنتاج محتوى وأغاني باللغة المصرية وتطبيقات للكيبورد بالحروف المصرية، وكلها بتخدم هدف واحد: ترسيخ الهوية وتعزيزها عند عموم المصريين.
رغم إن اللغة لوحدها مش شرط تكون المعيار الوحيد للهوية، إلا إنها ركيزة أساسية في تكوين أي أمة... فلو بصينا على نماذج زي الأمازيغية في شمال أفريقيا أو الإيرلندية في أيرلندا، هنفهم حاجة مهمة.
الأمازيغ بعد ما كانت لغتهم بتندثر، دلوقتي بقت لغة رسمية وبتُدرّس في المدارس سواء في تونس أو الجزائر أو المغرب، ونفس الحكاية مع الإيرلنديين اللي بقوا يعتزوا بلغتهم رغم الاحتلال البريطاني، اللي همّش لغتهم بشدة، لكن بعد الاستقلال بدأوا يعيدوا نشرها.
الحكومة فرضت تعليمها في المدارس، وعندهم إذاعة وتلفزيون باللغة الأيرلندية. وفيه مجهود كبير لحمايتها. ليه؟ عشان اللغة ببساطة هي اللي شايلة التاريخ، والعلوم، والفنون، وكل تعبير عن الحضارة.
فيه شوية شباب للأسف بيقولوا إن تعلم اللغة المصرية علوم مش نافعة، وده طرح ساذج جدًا. الحقيقة إن نشر اللغة دي هيعزز من الصورة الذهنية والحضارية لمصر، ويقوي علاقتنا بتاريخنا، وده لوحده ليه مردود سياسي واقتصادي ضخم جدًا.
كمان هيفتح مجالات علمية كتير، لأن اللغة المصرية هي حجر الأساس في علم المصريات، اللي هو واحد من أهم مجالات البحث في التاريخ الإنساني.
لو مش شايف مبدأ الاقتصاد والسياسة وتعزيز الثقافة المصرية شيء مهم ونافع، يبقى الأمن القومي لازم يكون أساس حاضر في ذهنك!
اللغة المصرية بقت بتتستخدم من التيارات الأفروسنتريك في أفريقيا اللي بتحاول تروج لفكرة إننا "عرب" محتلين لأرضنا، وإننا ملناش علاقة بتاريخ مصر نهائيًا، والدليل؟ أصلنا بنتكلم عربي! ده كلام ميصدرش غير عن جهلاء باللغة المصرية، واللي تراثها لسه عايش في لهجتنا لحد النهاردة من أيام أجدادنا.
همّا بيعلّموا ولادهم اللغة المصرية علشان يدّعوا الكلام ده، ومعاهم دعم بمليارات. طيب، لما العالم يشوف إنهم بيتكلموا اللغة دي، وإحنا لأ! يبقى مين صاحب الحضارة الحقيقي من منطقهم؟ إحنا لازم نرد عليهم بلغة أجدادنا، مش بس بالكلام، لكن بالفعل.
إن كنت قريت كل اللي فوق وحضر في ذهنك الطرح ده، فالكلام ده مش معناه أبدًا إننا نهمل العربي أو الإنجليزي أو أي لغة تانية. بالعكس، اللي بيحب بلده يتعلم كل اللغات، لكن يفضل عارف أصله.
الدكتور طه حسين، عميد الأدب العربي، واللي كان مرشح لجائزة نوبل في الأدب العربي 14 مرة وأحد أهم رواد الفكر القومي المصري، والدكتور إبراهيم أنيس، وبيومي قنديل، أكدوا إن اللغة المصرية هي الأساس، وإن لهجتنا العامية اللي بنتكلم بيها دلوقتي هي الامتداد الطبيعي والتطور الرابع للغة المصرية، مش غريبة عنها. وإن اللغة العربية أصبحت جزء من مكون الهوية المصرية، مش إحنا اللي أصبحنا عرب لمجرد إننا بنتكلم بلهجتنا!
كل مصري ومصرية لازم يعرف يعرّف نفسه بلغة أجداده، يقرأ ويكتب اسمه بالهيروغليفي، على الأقل يكون عارف، ويفهم نص على جدران معبد أو يقرأ اسم الملوك المصريين، وده أقل واجب علينا. وعلموا أولادكم... لأن لو معملناش كده، في شعوب هتيجي وتعمل كده مكاننا! وده مجرد خطوة من ألف، ومفيش قوة تقدر توقف الوعي لما يبدأ ياخد مجراه.
وفي نهاية المقال: شكرًا لقرية الزينية في صعيد مصر في عاصمة مصر قديمًا "أست" أو الأقصر حاليًا.. لأن اللي ميعرفش فيكم، فاللغة المصرية هي اللغة التانية عند أهالي قرية الزينية ولسه بيعلموها لأولادهم لحد اللحظة.. شكرًا ليكم - 𓆤 𓏏𓏤 𓍿𓅱 (dwꜣ tpj)